
أكدت الدكتورة سلوى الجسار عضو مجلس الامة السابق والاستاذ المساعد بجامعة الكويت، ان «الاصلاح التربوي» قضية مجتمع ودولة وقالت: من الخطأ التعامل معها من زاوية مالية فقط لكون المال وحده لا يمكن ان يعالج الخلل والقصور الذي يشوب هذه القضية.
ورأت الدكتورة الجسار في دراسة تحليلية تحت عنوان «رؤية في تطوير خدمات التعليم العام».. خصت بها «الوطن»، رأت ان اهم متطلبات المرحلة المقبلة تحديد المسؤوليات المهنية والتعليمية، وطالبات بضرورة احداث شراكة بين القطاعين التربوي وقطاعات الانتاج للتأكيد على ان التعليم شأن مجتمعي خطير ومهم، كما شددت على ضرورة انجاز استراتيجية واقعية ومحددة الاهداف تولي اهتماما خاصا ببناء الانسان.
«الوطن» تعرض اليوم للجزء الاول من هذه الدراسة التي جاء تفاصيله على النحو التالي:
المقدمة:
ان قضية الاصلاح التربوي اليوم قضية كل فرد وكل مجتمع وكل دولة، حيث يسعى الجميع نحو التطوير من خلال اعداد الانسان الصالح المنتج والمتزن. ولقد أضحى التعليم أولوية وطنية تتسابق الدول الى الاهتمام به والاستثمار فيه ومراجعته بهدف تطويره وتحديثه لمواكبة المستجدات العالمية.
واستطاعت بعض الدول تحقيق نموها الاقتصادي والاجتماعي من خلال التعليم. فالتعليم يعتبر الركيزة الأساسية في نهضة وتطور البلاد. ونلاحظ ان عملية التنمية ترتكز على الانسان الذي يعتبر المحور الأساسي في بناء المجتمعات، فبناء الانسان أبقى من بناء الماديات والتي لا يمكن ان تضع حلولاً لأية مشاكل يعاني منها أي نظام كما أنه لا يمكن الارتقاء بالعملية التعليمية دون حدوث نهضة حقيقية في أنظمة التربية، فالتربية تعمل على التنمية البشرية، واصلاح العملية التربوية هو اصلاح لمسيرة بناء انسان، وعليه يتطلب اصلاح التعليم وضع استراتيجية مستقبلية حقيقية وواقعية ومحددة الأهداف كي نرتقي في مستوى مخرجات التعليم.
نظرة تشخيصية لواقع التعليم في الكويت:
لقد أصدرت اليونسكو تقريراً حول الفساد في التعليم (2007/6) بأن المؤسسات التعليمية في أكثر من 61 بلداً يعانون الغش الأكاديمي والاداري وهذا ما تضمنه تقريرهم حول (مدارس وجامعات يعمها الفساد: كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة) حيث قام باعداده المعهد الدولي للتخطيط التربوي التابع لليونسكو.
وتناول التقرير ان ما ينفق على التعليم من مليارات لا يعادل الجهد المتمثل في توفير التعليم للجميع فهو يشكل عائقا حول تدني مستوى المعايير التعليمية وبالتالي المستوى التعليمي للطلبة. ويرجع أهم الأسباب الى عدم اعتماد آليات تنظيمية أكثر شفافية تعمل على تعزيز وتأهيل القدرات القيادية والادارية بأن يكون أكثر قدرة على السيطرة وادارة النظم التعليمية وحمايتها من الفساد. وقد خرج التقرير بتوصيات من أهمها التأكيد على وضع معايير واضحة ذات جودة عالية يشمل اجراءات تحدد مسؤوليات القائمين على النظام التعليمي من خلال عملية التخطيط وتوزيع واستخدام المدارس التعليمية وتحسين مستوى القيادات والادارة والمحاسبة واتخاذ نظام رقابي يسمح بالتقويم والمتابعة ومحاسبة المقصرين.
كما يؤكد تقرير البنك الدولي حول (اصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) الصادر في (2008/2) بأن دول الشرق الأوسط قد حققت تقدماً مهما في عملية اصلاح الأنظمة التعليمية ولكن ان نوعية وجودة التعليم في المنطقة لم تواكب الاحتياجات الاقتصادية المتسارعة ولا زالت هذه الأنظمة لا تستطيع ان تدعم تنمية المهارات التحليلية للطلاب وخاصة التي تتعلق بمهارات حل المشكلات والتفكير الابداعي.
و لعل التصريح الذي أدلى به نائب رئيس البنك الدولي دانييلا جرجسياني بأننا يجب ان نتعرف على أهمية الدور الحيوي الذي يلقيه التعليم في توفير أنواع الفرص أمام الطلاب ويجب ان تضع الدول جهوداً كاملة حول الالتزام السياسي بأن يوجه التعليم ليواكب احتياجات الاقتصاد وألا يكون التعليم فقط لحل مشكلة البطالة وانما في توفير الأعداد الجيدة لممارسة كافة أنواع المهن لذلك من الأهمية ان نوجه الجهود لاعادة النظر في المناهج ومحتوياتها وطرق التعليم لتواكب الاحتياجات الحالية والمستقبلية.
مما سبق نجد ان الدراسة التي قام بها معهد الكويت للأبحاث العلمية بالتعاون مع جريدة «القبس» حول مؤشرات ثقة رجال الأعمال وثقة المستهلك ومستوى الرخاء الاجتماعي (ديسمبر 2007) تؤكد ما في التقارير السابقة.
فقد أشارت الدراسة حول المؤشر العام لقياس درجة ثقة الأسر الكويتية والوافدة في مستوى الخدمات المقدمة لهم من قبل الدولة (ديسمبر 2007) جاء التقييم العام للخدمات التعليمية وفق التالي:
< معدل التقدير جيد على %10.6 والتقدير مقبول (%46.0) والتقدير سيئ (%43.4) حيث بلغ مؤشر الرخاء التعليمي (33.6) نقطة من(100 نقطة) بمعنى أقل من المتوسط ويعتبر هذا المؤشر خطيرا وبحاجة الى دراسات تعمل على تشخيص مواطن الخلل.
كما عرضت الدراسة التوقعات المستقبلية لمستوى الخدمات الحكومية خلال العامين القادمين حيث جاء مؤشر الخدمات التعليمية بمؤشر مرتفع يدل على عدم حدوث أي تغيير في المستقبل القريب وهذه دعوة بعدم التفاؤل حيث وصل نسبة التوقع العام (%93.4) من أصل (100) نقطة (القبس 8 يناير 2008 – العدد 12429).
ان من الملاحظ في نتائج الدراسة أعلاه عدم وجود مستوى رضا عن كفاءة الخدمات التعليمية في الكويت من قبل أفراد العينة على الرغم من ارتفاع مؤشرات الانفاق الحكومي على التعليم وبالنظر الى (الانفاق التعليمي وتكلفة الطالب للعام الدراسي 2009/2008) فان هناك تطورا في مصروفات الدراسة.
ان الاطلاع على الدراسات والأدبيات والتقارير التي تناولت موضوع اصلاح التعليم يشير الى العديد من الانتقادات التي تعرضت لها السياسة التعليمية على مدى أكثر من 25 سنة فقد أشار العديد من الملاحظين السياسيين والتربويين بأن هناك قصوراً بأداة وآلية عمل هذه السياسات الأمر الذي أدى الى حدوث خلل وتدني مستوى الخدمات التعليمية في الدولة ولعل نتائج الطلبة الكويتيون الأخيرة للعام 2012 في الاختبارات الدولية للعلوم والرياضيات والقراءة مؤشر خطير يستوجب تحليله للكشف على جوانب الخلل الاداري والفني والتي نستعرض منها أهم العوامل التي أدت الى تدني مستوى التعليم:
< السياسة العامة للدولة.
< مستوى القرار السياسي التعليمي في مؤسسات الدولة وقطاع التعليم.
< غياب الفلسفة والرؤية التعليمية.
< مستوى الادارة التعليمية والتربوية.
< المتعلم.
< المعلم.
< طرق التدريس وأساليب التعلم.
< المباني والامكانيات.
< نوع الاتفاق على التعليم.
< أساليب التقويم والمتابعة.
< الأسرة والتحصيل العلمي للمتعلم.
< أثر وسائل الاعلام في التعليم.
< نظرة المجتمع الى التعليم.
< مجالس المعلمين والآباء.
< المنهج المدرسي.
< أساليب التدريب والتنمية المهنية للعاملين في القطاع التربوي والتعليمي.
لعل متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية تقتضي تحديد المسؤوليات المهنية والتربوية نحو توضيح الحقائق التي قد تغيب عن العديد من أفراد المجتمع وصناع القرار في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والتي يمكن ان نوجزها بالتالي:
1 – بداية نود ان نؤكد على ان جميع المبادرات التي تقوم بها السلطة التنفيذية تؤكد المسؤولية التي تقع على عاتقها والتزامها الكامل باللوائح والقوانين التي دائماً تظل صمام الأمان لمسيرة التعليم في الحرص على تقديم أفضل الخدمات في الجهاز التعليمي.واذا ظهرت بوادر القصور والعجز في بعض الخدمات فجميع العاملين في القطاع التربوي تقع عليهم المسؤولية.
2 – انه نتائج تراكمات تعليمية سابقة والتي بكل أسف من ما نعاني منه وهو القصور في عدم وجود ادارة تعليمية ذات كفاءة عالية تستطيع ان تستوعب عمل المستجدات والمتطلبات على الساحة التعليمية.
3 – ان ما تعاني منه وزارة التربية وباقي الوزارات من بيروقراطية مع أجهزة الدولة الأخرى تؤثر في وجود كافة الخدمات في وقت مناسب وكما في عدم وجود الاستقلالية المالية والادارية سببا جوهري في تأخر وصول بعض الخدمات مثل الكتب المدرسية – توفر أعداد المعلمين – نقص في التمديدات وغيرها.
4 – ان التعامل مع القضية التعليمية وبكل أسف مازال تعاملا مادياً بحتاً حيث ان المال لا يمكن ان يعالج الخلل والقصور التربوي وانه من الخطأ ان تظل الدولة هي الوحيدة التي تتحمل تكاليف التعليم المتزايدة بمفردها فلابد ان تكون هناك شراكة بين القطاع التربوي وقطاعات الانتاج وذلك تأكيد بأن التربية هي شأن مجتمعي هام وخطير ومخرجاته يستفيد منها القطاع الحكومي والقطاع الخاص.
5 – يجب ان تبدأ وزارة التربية بالاعتماد على نظم تربوية لا مركزية في ادارة القطاعات التعليمية المختلفة سواء داخل الوزارة أم خارجها من خلال التأكيد على العمل بادارة الفريق والادارة الاستراتيجية وادارة التغير والابداع وادارة الجودة الشاملة وهذا لا يمكن الا من خلال توجيه الأنظمة التعليمية على اعداد القيادة التربوية ذات الكفاءة العالية من المعلمين التربويين والاداريين، والفنيين.نحن نعاني من جوانب خلل كبيرة وان محاولات التغيير والتجديد لا يمكن الأخذ بها بسبب عدم توافر الكفاءات العالية ذات الجودة في الأداء والانتاج لأنه وبكل أسف لازالت الأنظمة التعليمية التي تقدم هي الأنظمة تركز على تعليم المعرفة وتلقينها وليست أنظمة التجديد والتوظيف الحياتي الذي أصبح لزاماً ان تواجه متطلبات نمو المتعلم لهذه المرحلة الحالية والمستقبلية.
6 – عدم توافر الادارة السياسية لدعم خطط واستراتيجيات التطوير من خلال مرونة القيادة السياسية الواعية التي تجعل مصلحة التعليم فوق الاعتبار وهذه ليست بيد وزير التربية فقط وانما السلطة التشريعية التي يجب ان تعي جيداً بأن اصلاح التعليم لا يكون بمعيار الزمن أو بمفهوم المسكنات المؤقتة نحن الآن نعيش ترسبات ادارة تعليمية تقليدية سابقة وان مناقشة اصلاح التعليم في الدولة ليست بيد جهة معينة بل مسؤولية الجميع من خلال منظور مؤسس وجماعي وليس فرديا أو حزبيا أو تيار سياسي أو ديني.. لأنه عندما تصاحب مفاهيم السياسية قيم التعلم فانها بداية النهاية.ان وضع مدخل علمي ذي منظور موضوعي يجب ان تسند مسؤولية اصلاح التعليم وتطويره الى المؤسسات التي لها دور أساس في التعليم.فالاقتصاد والاعلام والاجتماع والسياسة لها دور في اصلاح التعليم.فالتربية هي قضية دولة ومجتمع وحكومة ومجلس أمة وليست لجهة معينة فقط.
آلية تطوير النظام التربوي:
ان عملية تطوير الأنظمة التربوية لا يمكن تحقيقها الا بتوفر شروط مهمة والتي ذكرها (الخطيب، 2006):
< توافر الإرادة السياسية لدعم خطط واستراتيجيات التطوير التربوي.على ان تقوم القيادة السياسية بتوفير كافة الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية للنظم التربوية لتمكينها من القيام مسؤولياتها المتعلقة بتحقيق التنمية البشرية في كافة المجالات.
< اعتماد المنحنى الوظيفي كمدخل لتطوير وتجديد النظم التربوية، وهذا المدخل يتوجه في عملية الاصلاح التربوية بكليته شموليته، بمدخلاته وعملياته ومخرجاته، بسياساته وخططه وأهدافه وهياكله وبناه التنظيمية والادارية ومناهجه وطرق وأساليب التدريس والامتحانات والاختبارات والتقويم والاعداد والتدريب بحيث يتم مراعاة جميع عناصر النظام التربوي.
< ان تبدأ وزارة التربية بممارسة لتوجهات الحديثة في مجال ادارة الأنظمة التربوية والتي تعتمد على اللامركزية والادارية من خلال الفريق وادارة التغير والابداع وتطبيق مفاهيم الجودة الشاملة.
< ضرورة ايجاد نوع من الشراكة بين القطاع التربوي وقطاعات الانتاج الأخرى في المجتمع.. هذه الشراكة لا تتحقق الا من خلال فرض ضريبة لا تقل عن (%5) مثلاً من أرباح الشركات والصناعات والبنوك والمعاملات التجارية والعقارات بحيث توجه الى الانفاق على تحسين التعليم.
ومن الأهمية أنه لكونه هناك برامج تقويم شاملة لكافة القوانين والتشريعات التي تعمل من خلالها الانظمة التربوية يهدف الى التأكيد بان التعليم هو الاداة نحو بناء الانسان وان تحقق التنمية الشاملة لا يكون الا من خلال تطوير الموارد البشرية.
المصدر”الوطن”
قم بكتابة اول تعليق